الذمة المالية عرف متعارف عليه دوليا، وهو أبرز عنوان لدى الدول المتقدمة في محاربة الفساد، والتي استطاعت من خلاله مع غيره من الأدوات كبح جماح الفساد وتضييق مشاربه مما رتب على ذلك تسارع نمائها وتقدمها وزيادة دخل أفرادها، مثل: إقرار دول سنغافورة وفنلندا وغيرهما.
وإقرار الذمة المالية هو إقرار يطلب من كل مسؤول بتقديم ما يملكه هو وزوجه وأبناؤه من أموال منقولة وغير منقولة بما في ذلك الأسهم والسندات والحصص في الشركات والحسابات في البنوك والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة ومصادر دخلهم وقيمة هذا الدخل إضافة إلى ما عليهم من ديون ومن خلال إقرار الذمة هذا الذي يفصح به عما يملكه كل من يتولى مسؤولية عامة قبل توليها، تقوم أجهزة الدولة المعنية بمراقبة ثروته إذا تضخمت بعد تركه المنصب وبالتالي تحاسبه إن زل أو أخطأ في حق وطنه وبلده، وبذلك تتحقق الحماية للوظيفة العامة من المتاجرة بها واستغلالها، ويتجذر في قلب كل من يتولاها الخوف من الانكشاف والعقاب.
والجدير بالذكر هنا هو سبق الإسلام إلى تقرير هذا المبدأ منذ ما يزيد على الألف وأربعمائة عام، هذا المبدأ الذي لم تعرفه الدول والأمم إلا في العصر الحديث والذي كان الهدف منه حماية المال العام ممن يتولون أمر إدارته وإنفاقه، حيث اعتبرت الشريعة الإسلامية أن هذا المال العام أعظم حرمة من حرمة المال الخاص، وجعلت الاعتداء على الأموال العامة كبيرة من كبائر الذنوب التي تورد صاحبها المهالك في حياته الأخروية وذلك من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يضيق المجال بسردها في هذا المقال.